الاستدامة مجال تخصصها واسع، وتزود الطلبة وطلبة الدراسات العليا بوجهات نظر حول أهم عناصر عوالم البشرية بدءا من التجارة والتكنولوجيا إلى البيئة والعلوم الاجتماعية. كما أن المهارات الرئيسية التي تبقى في انطباع الطلبة تبقى طويلا بعد التخرج، وخاصة في عالمنا الحديث وبهدف تقليل انبعاثات الكربون واكتشاف وتطوير تقنيات لمواجهة هذه الظواهر مستقبلا. وتعتمد الاستدامة على السياسات، والاقتصاد، والفلسفة والعلوم الاجتماعية الاخرى، علاوة على العلوم المعقدة. وتعتبر التوعية البيئية والاستدامة من الاولويات في عالم الشركات لوضع تشريعات وقوانين جديدة للاستدامة. وبناء عليه، فإن خريجي قسم الاستدامة سوف يلتحقون بالكثير من التخصصات المدنية مثل التخطيط، والاستشارات البيئية (المبنية والبيئة الطبيعية)، والزراعة، وفي المؤسسات التي لا تهدف إلى الربح، ولوضع استراتيجيات الشركات، وفي التقييم الصحي وعمليات التخطيط والقوانين وعمليات اتخاذ القرارات.
وتعتبر الاستدامة واحدة من التخصصات الحديثة التي تحاول تجسير وسد الفجوة بين العلوم الاجتماعية والهندسة المدنية والعلوم البيئية ودمجها بالتكنولوجيا مستقبلا. وعندما نستمع إلى كلمة (الاستدامة) فإننا نفكر بمصادر الطاقة المتجددة، وتقليل انبعاثات الكربون، وحماية البيئة والمحافظة على توازنها على كوكب الارض. وباختصار، فإن الاستدامة تهدف إلى حماية بيئتنا الطبيعية، والصحة البشرية والطبيعة، وفي نفس الوقت خلق ابتكارات لا تؤثر على طريقة معيشتنا وبيئتنا.
ما هي الاستدامة؟
تعرف الاستدامة بأنها دراسة كيفية عمل الانظمة الطبيعية، والتنوع وإنتاج كل ما تحتاجه البيئة الطبيعية لكي تبقى متوازنة. كما تقر الاستدامة بأن الحضارة البشرية توفر مصادر لاستدامة طريقة عيشنا المعاصرة. وهناك الكثير من الامثلة عبر تاريخ البشرية حيث عملت الحضارات على تدمير بيئتها وأثرت بشكل خطير على فرص البقاء. وتأخذ الاستدامة بالاعتبار كيف نعيش باتساق مع عالم الطبيعة وحمايته من التدمير والإتلاف.
إننا نعيش في عالم حديث متحضر حيث نستهلك الكثير من الموارد الطبيعية يوميا. وفي مراكز المدن، نستهلك الكثير من الطاقة أكثر مما نستهلكه في الأرياف، حيث تبقى الاضواء في المدن مضيئة، ويتم استخدام المعدات والأجهزة الكهربائية، وأجهزة التدفئة وغيرها من المعدات التي تحتاج إلى الطاقة الكهربائية. ولا يهدف ذلك الى القول بأن العيش المستدام يجب أن يركز فقط على الناس الذين يعيشون في المدن، بل يجب إجراء تحسينات في كل مكان (يقدر بأننا نستهلك حوالي 40% من الموارد سنوياً أكثر مما نحتمل) وأن هذا يحتاج إلى إجراء تغييرات للمحافظة على استدامة هذه الموارد.
وتركز الاستدامة والتنمية المستدامة على التوازن بين احتساب الاحتياجات، وحاجتنا إلى استخدام التكنولوجيا وبشكل اقتصادي، والحاجة إلى حماية البيئات التي نعيش فيها. ولا ترتبط الاستدامة بالبيئة فقط، بل إنها تتعلق بصحة المجتمعات وضمان عدم تعرض الناس إلى المعاناة بسبب التشريعات البيئية، مع ضرورة اختبار التأثيرات بعيدة الامد للأفعال التي تقوم بها البشرية، وطرح اسئلة حول: كيف يمكن تحسين الوضع.
تاريخ الاستدامة
منذ بدء الخليقة، ووصولا إلى الثورة الزراعية وربما قبل ذلك، كانت البشرية مستهلكة أكثر منها كمنتجة للموارد البيئية. وبدءا من المجتمعات البدائية التي كانت تتنقل من مكان إلى آخر بحثا عن موارد العيش في المواسم، وقبل إنشاء المخيمات، كانت تعود إلى نفس المكان في كل عام، وقد أدى التطور إلى زيادة في الاستيطان والاستقرار، حيث حلت الزراعة بدلا من الرعي، وتطور ذلك إلى بناء القرى، والبلدات والمدن التي أخذت تمارس الضغط بشكل أكثر على البيئة.
وفي بعض الأحيان، فقد أدت الضغوطات البيئية إلى إجبار الناس على إحداث هذه التغييرات بالدرجة الاولى (زيادة السكان كمثال على هذه الضغوطات) ومن ثم توجب عليهم الانتقال إلى أماكن أخرى حيث توفر البيئة استدامة افضل لممارساتهم ونشاطاتهم، أو عمل تغييرات اضافية في البيئة الحالية. ولم يكن هنالك مفهوم حقيقي لاستدامة العيش، وحتى وإن كان الناس لا يدركون معاني التربة والخصوبة، التي قد ترهق بسب رعاية المواشي.
ومن المعروف بأن الكثير من المجتمعات قد انهارت بسبب عدم القدرة على التكيف مع الظروف التي فرضت نتيجة لممارسات عدم الاستدامة. ومن الامثلة على ذلك قطع الاشجار أو الفشل في مواكبة التضخمات الطبيعية والتغير المناخي. وغالبا ما أدى التغير الثقافي إلى بقاء هذه المجتمعات أكثر مما كان متوقعا وفي ظل العديد من الظروف.
ورغم أن بعض فلاسفة الحضارة والتنوير عبروا عن قلقهم بشأن الموارد وزيادة السكان وما إذا كان ذلك يمكن استدامته على المدى البعيد، إلا أن هؤلاء الباحثين والفلاسفة لم يتلقوا تقبلا جديا في ذلك الوقت ولم يتجاوز ذلك أكثر من فرضيات. وحدث الامر في القرن العشرين قبل أن ندرك تأثيرنا على البيئة والأضرار التي نتسبب بها، والتلوث، وانجراف التربة وقطع الأشجار، وانبعاثات الغازات وقضايا بيئية أخرى أدت إلى زيادة الاهتمام بالبيئة والأضرار التي قد تحدث لنظام الطبيعة. وقد تم تأسيس الامم المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية (سنة 1945)، وأنشئت اليونيسكو بهدف تعزيز أهمية الثقافة الانسانية والعلوم. وفي الوقت الحالي، فإن الالتزام (بالمساهمة في بناء السلام، والقضاء على الفقر، والتنمية المستدامة، وما يشمل ذلك من حوارات عن طريق التعليم، والتثقيف والعلوم، والثقافة، والاتصالات والمعلومات).
وفي أواخر القرن العشرين، تم إنشاء علم التغير المناخي. وندرك أنه في الثمانينات من القرن الماضي فقد كانت هنالك مشكلات تأثيرات البيوت البلاستيكية الزراعية وتدمير طبقة الأوزون، وأدى ذلك إلى وعي بمفهوم الموارد- وخاصة الوقود الطبيعي- مما يتطلب القيام بجهود حثيثة لاستخدام طرق الطاقة المتجددة. وبعد ذلك، شهدنا تطور في العلوم الاجتماعية، والاقتصادية، والعلمية وعلوم البيئة.
الاستدامة المستقبلية
من غير الواضح بعد كيف سيكون عليه مستقبل الاستدامة بسبب ظهور التقنيات والتحسين في موارد التنظيف والوقود، ويبحث الكثيرون حاليا عن الوقود الطبيعي. ومنذ الخمسينيات، فقد شهدنا تطورا غير مسبوق في الزراعة الكثيفة، وثورة التكنولوجيا، والزيادة الكبيرة في احتياجاتنا للطاقة، مما يفرض مزيدا من الضغوط ويجهد موارد كوكبنا. وما زلنا بحاجة إلى معرفة المزيد عن اساليب الحراثة في الدول النامية، علاوة على الكوارث التي يتسبب بها الناس وتأثيرات ذلك على نظام البيئة والتلوث البشري. ومن الضروري أن نعمل على تطوير تقنيات جديدة نظيفة للتكيف مع احتياجاتنا من الطاقة ولكن الاستدامة البيئية ليست إلا جزءا من هذه العناصر.
العناصر الثلاثة للاستدامة
في سنة 2005، حددت القمة العالمية للتنمية الاجتماعية ثلاثة مجالات رئيسية تسهم في الفلسفة وعلم الاجتماع الخاص بالتنمية المستدامة. وهذه العناصر – وبحسب الكثير من المعايير الوطنية ومخططات الاعتماد، تشكل حجر الاساس للتغلب على المجالات الثلاثة التي تواجه العالم حاليا. ووصت لجنة ( Brundtland) ذلك على أنه "التنمية التي نحتاجها حاليا بدون تقليل قدرة الاجيال القادمة على تلبية احتياجاتها". وبناء عليه، يجب أن ننظر إلى المستقبل عند اتخاذ قرارات حول الحاضر.
التنمية الاقتصادية
تعتبر التنمية الاقتصادية دليلا على أهم المشكلات التي تثير الخلاف بين الناس فيما يتعلق بالفكر السياسي وماهيته وليست من وجهة نظر اقتصادية وحسب، وكيف أن ذلك يؤثر على التجارة والشركات، والوظائف وتوفير فرص العمل. ويتعلق هذا بتوفير حوافز من الشركات وغيرها من المؤسسات للالتزام بتعليمات الاستدامة وبما يتجاوز التشريعات والقوانين. وإضافة إلى ذلك، فيجب تشجيع وتعزيز وزيادة الحوافز للأشخاص عند القيام بواجبهم وتحقيق هذه الأهداف، وتقليل التأثيرات السلبية لما يقوم به الإنسان، وبما يؤثر عليه وعلى البيئة.
وعلاوة على ذلك، فإن العرض والطلب في السوق استهلاكي بطبيعته حيث أن الحياة المعاصرة تتطلب الكثير من الموارد يوميا. ولغايات المحافظة على البيئة، فمن الضروري السيطرة على الأشياء التي نستهلكها. وترتبط التنمية الاقتصادية بإعطاء الناس ما يريدون بدون التأثير على جودة الحياة، وخاصة في عالم الدول النامية، مع ضرورة تقليل الأعباء المالية عند القيام بعمل الأشياء الصحيحة.
التنمية الاجتماعية
هناك الكثير من العناصر التي ترتبط بهذا الجزء، والمهم في الأمر هو الوعي بالتشريعات التي تهدف إلى المحافظة على الصحة ومنع التلوث وغيرها من النشاطات الضارة التي تقوم بها الشركات والمؤسسات والمصانع. ففي امريكا الشمالية وأوروبا وبقية عالم الدول المتطورة، يتم إجراء تفقدات قوية وبرامج للتأكد من الالتزام بالتشريعات وضمان صحة الناس وحسن عيشهم والمحافظة على هذه المكتسبات. كما أن ذلك يتعلق بالمحافظة على توفير الموارد الاساسية دون التأثير على جودة الحياة. ويتمثل التحدي الاكبر حاليا في استدامة توفير المنازل للناس وكيف يمكن بناء هذه المنازل من مواد مستدامة. أما العنصر الأخير فهو التثقيف والتعليم وتشجيع الناس على المشاركة في الاستدامة البيئية وتوعيتهم بتأثيرات المحافظة على البيئة وحمايتها، والتحذير من المخاطر إذا لم نستطع تحقيق هذه الاهداف.
الحماية البيئية
إننا ندرك ما نحتاج الى عمله لحماية البيئة، سواء عن طريق إعادة التدوير، أو تقليل استهلاك الطاقة أو عن طريق الخروج في رحلات قصيرة بدلا من استقلال الحافلة. وتعمل الشركات على منع التلوث وتقليل مستوى انبعاث الكربون. وهنالك حوافز مقابل تركيز مصادر طاقة متجددة في منازلنا وشركاتنا. ويعتبر عنصر حماية البيئة العنصر الثالث وموضع اهتمام لمستقبل البشرية. وهو يحدد كيف يتوجب علينا دراسة وحماية نظام البيئة الطبيعية، وجودة الهواء، وتوفير الموارد التي تركز على المحافظة على البيئة. كما أن مسألة حماية البيئة تهتم بالتكنولوجيا التي سوف تحسن من معيشتنا المستقبلية وتجنب مخاطر استخدام التكنولوجيا.
ما هي الاهداف الرئيسية للاستدامة؟
إن شبكة التنمية المستدامة تفكر وتتصرف على المستوى العالمي. ففي العام 2012، عقدت الامم المتحدة مؤتمرا للتنمية المستدامة لمناقشة وتطوير مجموعة من الأهداف التي يجب العمل على تحقيقها؛ وهي تتوافق مع أهداف الالفية الثالثة للتنمية، وتدعي النجاح في تقليل الفقر على المستوى العالمي وفي نفس الوقت تعتبر بأن هنالك المزيد الذي يجب القيام به. وتوصلت الامم المتحدة إلى قائمة تتكون من 17 مادة، ومنها:
- إنهاء المعاناة من الفقر والجوع؛
- معاير أفضل للتعليم والصحة- وجودة المياه والتنظيف الصحي.
- تحقيق المساواة الجندرية (النوع الاجتماعي)
- التنمية الاقتصادية المستدامة وفي نفس الوقت توفير فرص عمل وخلق اقتصاديات قوية.
- التغلب على تأثيرات التغير المناخي، والتلوث وغيرها من العوامل البيئية التي تضر بصحة الناس، والمعيشة والأرواح.
- الاستدامة التي تشمل صحة الأرض، والهواء والبحر.
المصادر
10. Diamond, J. 2005: Collapse: How Complex Societies Choose to Fail or Survive. New York: Penguin (http://cpor.org/ce/Diamond%282005%29Collapse-HowSocietiesChooseFailureSuccess.pdf)
Commentaires