لأن كل شيء ينضب، وكل الموارد لا بد أن يأتي يوم لن تكون موجودة فيه؛ جاء التشديد على الاستدامة بشكل عام والاستدامة المؤسسية بشكل خاص؛ فلن يكون في المستطاع العمل على إدامة ما لدينا من موارد وطاقات، بل حتى بشر، من دون سعي مؤسساتي حثيث يدفع في هذا الاتجاه
والاستدامة، في معناها المبسط وكما يعرّفها البروفيسور كنوت هانيس؛ أستاذ الاستراتيجية والإدارة الدولية في IMD، هي استراتيجية عمل؛ من أجل توفير قيمة طويلة الأجل؛ من خلال مراعاة كيف تعمل منظمة معينة في البيئة الإيكولوجية والاجتماعية والاقتصادية، كما أن الاستدامة مبنية على افتراض أن تطوير مثل هذه الاستراتيجيات يمكن أن يطيل عمر الشركة.
محاولة للتعريف
ينصب اهتمام الاستدامة المؤسسية على المؤسسات الحكومية، ومدى تمتعها بالهياكل التنظيمية القادرة على أداء دور اجتماعي إيجابي في خدمة مجتمعاتها؛ كي تتمكن من أداء دورها في تحقيق التنمية المستدامة، بالإضافة إلى فحص دور المنظمات غير الحكومية ومؤسسات المجتمع المدني، واحتمالية أدائها دورًا ما في خدمة المجتمع وتنميته والدفع به قُدمًا، بالإضافة إلى استقصاء مدى إمكانية مشاركة القطاع الخاص في خدمة المجتمع المحيط وخدمة أهداف التنمية بتلك المجتمعات.
إذًا، يتمثل الاهتمام الأساسي للاستدامة المؤسسية أو استدامة المنظمات في ضمان أداء المؤسسات المختلفة، سواءً كانت حكومية أو غير حكومية أو قطاع خاص، دورًا فاعلًا ومؤثرًا في تحقيق التنمية المستدامة بشكل عام، فمن دون كل هذه المؤسسات مجتمعة لن يمكن فعل شيء على الإطلاق.
أهمية الاستدامة
تظهر أهمية الاستدامة، في شكلها الأكثر عمومية، في أنها السبيل الوحيد للنجاة، ولإطالة أمد ما لدينا من موارد ضئيلة ومحدودة، إنها، باختصار، استراتيجية لنجاة كل شيء على الأرض، ومده بفرص حياة من جديد؛ لذلك ليس من الغريب أن يرى 62% من المديرين التنفيذيين أن استراتيجية الاستدامة ضرورية لتكون الشركات قادرة على المنافسة في عالم اليوم، بينما يذهب 22% منهم إلى أنها ستكون أمرًا أساسيًا في المستقبل.
وهو الأمر الذي يعني أن هناك ميزة أساسية تنطوي عليها الاستدامة، وهي تلك المتعلقة بكونها ميزة تنافسية للشركات التي تتبناها، والتي تتخذها استراتيجية أساسية، فالناس لن يُقبلوا، ربما الآن أو بعد حين، إلا على الشركات التي تعمل على نجاة المجتمع، والحفاظ على الموارد الطبيعية، والحفاظ على البيئة، وما إلى ذلك.
الأبعاد الرئيسية للاستدامة التنظيمية:
تنطوي الاستدامة المؤسسية أو التنظيمية على مجموعة من الأبعاد الرئيسية سنشير إليها على النحو التالي:
أولًا: الاستدامة الاستراتيجية
إذا كانت المنظمة تحاول أن تفعل الكثير لخدمة المجتمع وتنميته وتقدمه، فمن المحتمل ألا يكون لديها ما يكفي من الموارد، بما في ذلك عدم وجود ما يكفي من المال لفعل ما تريد.
لذا؛ فمن أهم الاعتبارات في الاستدامة المؤسسية أن يكون لدى المؤسسة رؤية وأهداف واقعية للمنظمة. فإذا لم تكن هذه الرؤية والأهداف واقعية، فإن العديد من الأنشطة الأخرى في المنظمة لن تكون واقعية أيضًا، والحل ليس الاستمرار في محاولة الحصول على المزيد من المال، وإنما في إعادة النظر في الأهداف والرؤية من جديد.
ثانيًا: استدامة المنتجات والبرامج
إذا لم يكن لدى المؤسسة منتجات وخدمات وبرامج عالية الجودة، فإن مشاركة العملاء ستنخفض في نهاية المطاف؛ لذلك من المهم إنجاز بعض الأشياء بشكل جيد جدًا، بدلًا من فعل الكثير من الأشياء بشكل غير جيد، فضلًا عن أن المساعي المستدامة لشركة من الشركات تظهر فيما لديها من برامج وما تقدمه من منتجات.
والحل الأساسي في هذا الصدد هو الاستمرار في التطوير والتحسين، قبل السير في أي مسار آخر.
ثالثًا: استدامة الموظفين
لن يكون في الإمكان أداء أي دور محوري وإيجابي على صعيد الاستدامة المؤسسية ما لم يكن لدى الشركة/ المؤسسة ذاتها موظفون يفهمون وظائفهم ومهامهم بشكل جيد، أو إذا لم يكن لديهم الموارد الكافية التي تمكنهم من ذلك.
ومن المؤكد أن الموظفين هم الأداة الأساسية لأي شركة، فإذا لم تكن هذه الأداة تعمل بشكل فاعل فلن تفلح الشركة في الوصول إلى أهدافها المرجوة.
رابعًا: الاستدامة المالية
لا شك في أن الشركات التي قررت أن تلعب دورًا اجتماعيًا، أو يكون لها يد في تعزيز الاستدامة، ستكون بحاجة إلى قدر معين من الأموال كي تتمكن من أداء الأدوار التي آلت على نفسها أداءها، ومن ثم فإن حصول الشركة على المال أو توفره لديها أمر محوري بالنسبة لأنشطتها الاجتماعية والبيئية المختلفة.
Comments